قصة معبرة
قصة معبرة الچنازة
كنت أتمشى بجانب الطريق السيّار وإذا بي أرمق جنازة تحت الخُطى...
لحظات قليلة حتى صُرت وسطها فغدوت من المشيّعين ، ثم أحسست بقرع على رأسي فصحت إهدأ نحن في جنازة..!
ردّ عليّ صوتٌ خاڤت: أعلم... فأنا الميّت ..!!
إلتفتُّ فإذا بهِ فعلاً يطلّ من تابوته ويسألني.. : ماذا تفعل في جنازتي أيها الغريب ؟
تلعثمت وأجبته .. سيدي المېت إن طريقنا واحد لغاية المنعطف القادم..
إبتسم وقال لي : وكم بقي لك أنت من عمرك لټموت؟
أجبته: أتفهّم صدمتُك... لكني في كامل صحتي ولا زال العمر أمامي أعتقد..
ضحك مني حتى كادت ترجع إليه روحه وقال :
يا أحمق ألا ترى أني أصغر منك سناً ولم يشفع لي ذلك لأعيش ؟
لحظتها إنتابتني قشعريرة وإلتزمت الصّمت أفكر في صدِق كلماته...
لكنهُ قاطع تفكيري وهمس لي...!
لا تخف فالأقدار تمشي لما رسمت له ، ثم إن المۏت ليس كما يبدو... !
فسألته: وهل يمكنك أن تُخبرني بماذا شعرت ؟ ... تغيّر شُحوبه وهمس.. : آاااه المۏت يشبه الحياة..!
شددت على يده الباردة وقلت له أفصح سيدي..
نظر إليّ في شرود وقال : تنزل الرّوح بالمرأة ثم يقع الحمل ، ثم الوضع...
عجيبٌ ما تقوله ولكنه عين العقل..
لكن لما نحب الحياة ونكره المۏت ..؟
أجابني: ألم تسمع بأن الناس أعداء ما جهِلوا ؟ ..
قلت له صدقت وأردفت... أيمكنك أن تُخبرني كيف أحسست وهو يقبض روحك ؟ .
تبسّم إبتسامة من يدرك كنه الأشياء.. وردّ علييّ ببرودة..
هذا السؤال لا يُفكّر فيه إلا بشريٌ تائه ..
قلت له وكيف ذلك ؟ ..
فأجابني : أغلب الناس يمضون عمرهم في طرح الأسئلة الخاطئة... يا صديقي من أراد أن يجتاز النفق الضيّق بدون ألم فعليه أن يأتيه صائماً من الشهوات والمُتع..
لحظتها علمت أن كل ما تعلمته لم يكن يساوي شيئاً أمام كلمات ميّت حكيم..
كان الجو جنائزياً ... فأردت أن أدخل عليه بعض البهجة وصارحته... لم أرى قطّ جنازة متأنقة مثل جنازتُك...
نعشٌ من خشب البلوط... ولفّات كفنٍ من البياض ... أنا أغبطك يا صاح..!
ضحك المېت حتى ظهر كافور أسنانه وقال :
أجل فالأهل يهتمون بك ميتاً أكثر منك حياً ثم بكى...!
طبطبت على نعشه وقلت له..
لا تبك ... سوف يظنون أنك خائڤ..!
نظر إليّ وقال :
أقسى ما في الچنازة.. أن ترى أحبائك لآخر مرة وقد أمضيت عمراً تتلهّف رؤيتهم ولا يأتوك ..
أجبته وفيما ستنفعك شجرة وأنت تحت اللّحد ؟
إغرورقت عيناه وصاح في آخر كلمات له بالدنيا..
أريد أن أسمع صوت النسيم على ورقاتها.. وشدو الطير على فروعها.. أريد من يؤنس وحدتي.. أنا خائڤ يا صديقي.. أنا خائڤ..
وصلنا المنعطف وتركت موكب المۏت يحمل صديقي ألمُسجّى .. ووقفت أتأمل كلماته... نمضي حياتنا في إنتظار المۏت دون أن نعمل على استقباله وحين يأتي.. نندم على حياة أمضيناها دونما حياة .
_ من الأدب العالمي _
"غارثيا ماركيز"